سفرائنا الى النجوم
كتبها: زاهد عزت حرش
حول مقال نشر في معريب يوم الثلاثاء 18/8/1998 عن
السيدة فيروز بعنوان (عودة مطربة الحروب اللبنانية)
ما بين
فترة واخرى تقوم الصحافة العبرية في اسرائيل بالكتابة عن رموز ساطعة مضيئة في سماء
الامة العربية، وكأنها تقدم للعالم اكتشاف جديداً من اكتشافاتها
الإنسانية، النابعة من موقعها " كواحة للديمقراطية في بحر من الظلام والظلم
السائد في هذا الشرق العربي العقيم ". وآخر ما وقع بين يدي مقالة نشرتها
صحيفة معريف في عددها الصادر يوم الثلاثاء 18/8/1998 بقلم الصحفي جاكي حوجي تحت
عنوان (عودة مطربة الحروب اللبنانية). يتحدث المقال عن عودة السيدة فيروز للظهور
من جديد في مهرجان بعلبك، ويتناول بتركيب مفكك بعض التفاصيل عن مواقف فيروز وعن
سيرتها الذاتية، فكان يقترب من الحقيقة تارة وتارة يشط في بحر من الادعاء والتلفيق.
لا بأس ربما لأنهم يتعاملون مع ظاهرة العالم العربي باستعلاء وتكبر تجعلهم لا يرون
ابعد من موقع اقدامهم ... لقد أزعجني المقال. من عنوانه اولاً، ومما جاء فيه من
ادعاءات كاذبة تهدف الى زرع الشك في قلوب محبي فيروز وابنها زياد خاصة ... فقمت
بالبحث عن مواد ووثائق تدلني بوضوح أكثر عن حيثيات حياتهما.
لوحة رسم بالحبر الهندسي من اعمال زاهد عزت حرش - مقياس 120/70سم
والتقيت بالشاعر نزيه
حسون في خضم البحث عما اريد، فتداولنا الحديث حول ذلك، فعقب على عنوان المقال،
وببديهية عذبة قال: "أيعقل ان يقال عن الصوت الذي تعزفه الملائكة امام وجه
الله انه صوت الحروب". بعد هذا، وبعد تأكدي من ان هناك مغالطات وتجاوزات عديدة
تتعلق بما قدمه كاتب المقال عن فيروز، وخاصة عن ابنها زياد، وجدت ان هناك ايضاً
جانب ايجابي في ان تكتب الصحافة العبرية عنهم، ربما يعطي بعضاً من بعدنا الإنساني،
لتجحظ عيون الشعب الاسرائيلي وتتسع علها ترى شيئاً من الحقيقة. ولقد آثرت التحدث
عن فيروز اولاً، معتمداً نفس تسلسل المقال الذي اراده الكاتب. فأنه من خلال ذلك
السرد اراد الوصول الى تشويه صورة انسان وطني مناضل، قضى سنوات طويلة من العذاب
والمرارة، حتى انه كاد ان يفقد نفسه حرقة على ما اصاب لبنان وشعبه، وقد جعل من
نفسه شمعة تحترق لتضيء للآخرين نور الحياة! لكنني خوفاً من عقاب التاريخ، رحت انبش
دفاتري العتيقة باحثاً عما تحتويه من مقالات واخبار عن الرحابنة وخاصة عن زياد
ومسيرته السياسية والفني. لأن ما جاء في المقال عنه كان له وقع صعب عليّ. ولكم
بالحرف الواحد ما جاء فيه: "قطعت فيروز علاقتها بزوجها وبأبنها في اواخر
السبعينات، وهي غاضبة من جراء دعمهما لحزب الكتائب المسيحي الذي قاتل الى جانب إسرائيل،
ابان عملية الليطاني - (الاجتياح الاسرائيلي للبنان)، وقد تركت بيتها وعائلتها
وانتقلت للعيش بمفردها في فيلا بإحدى
الاحياء المسيحية، ذلك عندما علمت ان ابنها زياد تجند في صفوف الكتائب واجتاز دورة
تدريب في اسرائيل" (جاكي حوجي معريف 18/8/1998). لذلك لم اترك احداً من
اصدقائي الا وسألته عن مواد ومخطوطات تحمل معلومات عن سيرة زياد الرحباني الفنية
والسياسية. وفيما انا اجتهد في البحث ما بين مقالة وأخرى، وما بين خبر هنا وخبر
هناك، تذكرت ان لي اقارب في بيروت ينتمون الى الحزب الشيوعي اللبناني الذي ينخرط
زياد الرحباني في صفوفه ايضاً... فقمت بالاتصال بهم علهم يساعدوني في ايجاد وسيلة
تتيح لي التحدث الى زياد او لأحد المقربين منه للتأكد من امور محددة. ولقد أكد لي
قريبي فقال: "ان الخلاف الذي وقع بين فيروز والمرحوم عاصي الرحباني كان
خلافاً عائلياً محض، يتعلق بانغماس عاصي بحياة الليل ولعب القمار... ولم يكن ولا
بأي حال من الاحوال خلاف سياسي او عقائدي. وان رفض عاصي للانصياع لمطلب فيروز
بالانتقال الى بيروت الغربية كان سببه افتقار المنطقة لدور الملاهي واماكن للعب
القمار... اما زياد فقد ترك والديه قبل ذلك بكثير، وقد انتقل للعيش في بيروت
الغربية وعمل مع فريق من الفنانين في اعمال فنية وطنية ملتزمة "... ووجدت ان
ما قاله يتطابق وما جاء في مقالة كتبها محمود الزيات قال "كان جوزيف صقر
واحداً من الفريق الذي عمل مع زياد الرحباني في بداية السبعينات... الفريق الذي
التصق عبر المسرح والاغنية بنضالات حركة الطلاب في الجامعات والاضرابات العمالية
والمظاهرات التي سبقت اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975" ( وداعا جوزيف صقر -
الديار).
رسم بقلم الحبر الهندسي من اعمال زاهد عزت حرش - مقياس 100/70سم
وتحقق لي
في التاسعة والنصف من مساء الاربعاء 19/8/1998، فتحدث مع شخص مقرب جداً من زياد
الرحباني يدعى سمير حنا، والذي اوكله زياد بالرد على أي تساؤلات اطرحها عليه، فلقد
روى لي بشكل لا يترك مجالاً للشك فقال: "ان زياد لم يكن ولا ليوم واحد قريب
من الكتائب او متعاطفاً معهم... وهناك واقعه حاول الكتائب الترويج لها، ففي حين
كانت تقطن العائلة بلدة (كفيا) معقل آل الجميل وبلدة الرئيس بشير الجميل، أي بلدة
الكتائب الاولى... وكان ذلك في اواخر الستينات، حاول نشيطو الكتائب جذب زياد
الرحباني الى صفوف حركتهم الكشفية، لكنه رفض ذلك قطعاً. وبعد ذلك بقليل انتقلت
العائلة للعيش بأنطلياس في بيروت الشرقية". وللتأكد من ان زياد كان بعيداً عن
الكتائب سألته: ماذا فعل زياد في اواخر السبعينات اية اعمال فنية شارك فيها. فقال
"لقد عمل مسرحية (بالنسبة لبكرا شو) و (فيلم امريكي طويل) واشترك في اعمال
اذاعية عديدة في حينه". كما واكد لي ايضاً: "اننا نعي تماماً الاعيب
الصهيونية وخيالاتها الواسعة ومحاولاتها المتكررة لدق الاسافين واثارة الشكوك حول
رموز الحركة الوطنية العربية، فتقوم بترويج الاشاعات المغرضة الهادفة الى زرع الاحباط
بالنفس العربية، لأن معركتنا القادمة معركة حضارات... وهم يعلمون اننا لم نولد من
الحائط ونحن امة ترث حضارة عمرها أكثر من ثمانية الاف سنة... وان كان هناك حالة من
التردي العام في الوطن العربي فأن ذلك لن يدوم طويلاً ". فذكرني ذلك بما قاله
مظفر النواب: "مرحبًا ايها العاصفة، مرحبًا، سيقوم من الجرح أكثر عافية وطني بجراحاته
النازفة".
ولقد قمت
بالاتصال ايضاً مع الصحفي جاكي حوجي، لأستوضحه عن اثباتات تدل على صدق ادعاءاته...
فقال ان ذلك نشر في الصحف في اوائل الثمانينات، فقلت له: ان ذلك ليس دليلاً مثبت...
وارجوا ان تزودني بأدلة قاطعة لادعاءاتك فوعد بذلك! ولكن عندما اتصلت به على
الموعد المحدد بيننا لم يكن لديه أي دليل، ولمن يساوره الشك اقول ان الحديث مسجل وبالإمكان
الاستماع اليه في أي وقت. ومن المغالطات الكثيرة التي وقعت في مقالته: "ان
فيروز مسيحية مارونية"، مع العلم انها مسيحية ارثوذكسية. والمعروف ان
المسيحين الارثوذكس غالبيتهم من مؤيدي الحركة الوطنية وهم عماد الحزب الشيوعي
اللبناني. ولقد جاء ايضاً: "ان زياد ابنها الوحيد". والحقيقة ان لفيروز
ولد ابناً معوق اسمه هالي وابنتان ليال وريما. وجاء ايضاً: "ان فيروز تعرفت
الى الرحابنة في بداية الستينات". بيد انها تزوجت من عاصي منذ صيف عام 1954.
ولقد
سألت الاخ سمير حنا عن الموعد الذي التقى فيه الشاعر جوزيف حرب بزياد الرحباني
فقال: "كان ذلك في اواسط عام 1976". ولقد ربطت ذلك بما قاله الشاعر جوزيف
حرب في لقاءه مع جيزال خوري في برنامج (حوار العمر)، حين سألته جيزال خوري: "ما
الذي اضافه جوزيف حرب لزياد الرحباني من الفكر الماركسي عندما التقى به".
فقال الشاعر: "عندما التقيت بزياد كان مشبعاً بالماركسية، ولم يكن بالإمكان
ان اضيف له شيئاً". من هنا اؤكد ان انساناً كهذا لن يستطيع ان يكون في الصف
الماركسي ويكون في الصف المتناقض منه في ذات الآن. فليذهب ابناء السمن والعسل لمسح
لعابهم المتدلي من افواههم الكبيرة التي تبحث دائماً عن تشويه خلق اناس وهبوا
حياتهم من اجل قضاياهم الانسانية والوطنية. اما نحن فكفانا اننا لا زلنا نعرف موطئ
اقدامنا بثبات.
الاتحاد -عيش وملح - الجمعة 28 آب
1998
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق